الملاك الحزين المدير العام
عدد الرسائل : 2485 العمل/الترفيه : طالب الدولة : تاريخ التسجيل : 22/04/2007
| موضوع: المُخَلَّفَاتُ وتَدْوِيرُهَا فِي ظِلِّ الشَّرِيِعَةِ الأحد ديسمبر 23, 2007 6:24 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
لقد حفل التراث الإسلامي بما يشير إلى كل ما من شأنه أن يحافظ على المواد الطبيعية، فمن ذلك ما رواه ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ مَا هَذَا السَّرَفُ فَقَالَ أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ قَالَ نَعَمْ وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ"([2]).
فالنبي صلى الله عليه وسلم يُعلم الصحابة كيف يحافظون على الموارد الطبيعية ويمنعهم من الإسراف فيها وإن كانت كثيرة، ولبعدنا عن منهاج الإسلام نرى في بعض بلاد الإسلام التي منَّ الله عليها بنعمة وجود الماء بأرضها كثيرًا من الجهلاء الذين يمسكون (بخراطيم) المياه في فصل الصيف (يرشون) الطرقات زعمًا منهم أنها تأتي بالهواء الرطب وإن كان زعمهم هذا صحيحًا فإنهم بجهلهم لم يدركوا حقيقة النعمة التي أنعم الله بها عليهم وهي نعمة وجود الماء بهذه الكثرة الكاثرة بين أيديهم، والتي حُرم منها بعض إخوانهم في كثير من البلاد، ولم يدركوا بفعلتهم الشنعاء هذه أنهم يفقدون موردًا طبيعيًا خلق الله منه كل شيء في الكون، ومنعهم دينهم من الإسراف فيه، وحرمان إخوانهم في الأماكن النائية منه.
ومن ناحية أخرى فأن العاملين في محطات تحلية المياه لو رأوهم على حالتهم تلك وعدم اكتراثهم بما ينفقه المجتمع على تنقية تلك المياه التي يلقونها على الأرض، وتعبهم في تحليتها سوف يصابون بالإحباط ويتسلل إليهم الإهمال في تنقيتها فيمررونها بشوائبها التي قد تتسبب في بعض الأمراض لدى الأمة، وهذا ما حدث بالفعل!.
وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( .... إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا...) ([3]) فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم كيف يحافظون على اللقمة الصغيرة التي هي نعمة من نعم الله عليهم وقد تفقد كثيرًا من الدول حريتها السياسية بسبب عدم امتلاكها لقوتها، ونظرًا لبعدنا عن شريعة الإسلام يقوم بعض الجهلاء في بلاد الإسلام بشراء الخبز من الأفران بكميات كبيرة ويلقونها إلى البهائم والأسماك في المزارع، ويحرمون بفعلتهم تلك العامة من الطعام الأساسي المدعم من قبل ولي الأمر، وبهذه النظرة الأنانية المادية في الاكتساب على حساب الفقراء يفقد المجتمع جزءًاء كبيرًا من موارده الهامة.
بالإضافة إلى أن العاملين على إنتاج الخبز لمَّا علموا أن ما يبذلونه من جهد يضيع تحت أقدام البهائم أهملوا عملهم فأصبح الخبز لا يستطيع أن يأكله أحد من الناس وأصبحوا ضحية هذه الأفعال الشنيعة من الذين لا يقدرون النعمة حق قدرها!!.
وليس هناك عيب في عدم سن القوانين التي تجرم ولكن العيب في عدم التطبيق، وكما قالوا (إن الشيطان يكمن في التنفيذ) فإن الشيطان يكمن عندنا ويسكن عندنا ويأكل عندنا وينام عندنا....
وقد خصصت بالذكر هذين الموردين؛ الماء والخبز لأن قوام الحياة لا يتم إلا بهما، وإلا فهناك أمثلة كثيرة تدل على سوء تصرف المسلمين في مواردهم الطبيعية التي حباهم الله بها.
وكما اعتنى الإسلام بالموارد الطبيعية اعتنى أيضًا بالمخلفات فهناك إشارات إلى كل ما من شأنه أن يعظم الانتفاع بالمخلفات ما لم تخترق نهيًا صحيحًا صريحًا فمن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم "مَرَّ عَلَى شَاةٍ مَيِّتَةٍ مُلْقَاةٍ فَقَالَ لِمَنْ هَذِهِ فَقَالُوا لِمَيْمُونَةَ فَقَالَ مَا عَلَيْهَا لَوْ انْتَفَعَتْ بِإِهَابِهَا قَالُوا إِنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ إِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَكْلَهَا"([4]).
فالنبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالانتفاع بجلد شاة ميتة! ألا يدل ذلك على عظمة الإسلام وأنه يسعى بكل سبيل إلى تدوير المخلفات والاستفادة منها على الوجه الأمثل، وأنه يقف حالاً ضد الإسراف وإهدار الموارد، ويدعو الإنسان إلى الاعتدال والتزام الطريق الوسط في الإنفاق والاستهلاك.
والذي ينظر إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صفة المؤمن يرى إلماحة إلى هذا المعنى فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ..ثم قال صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا النَّخْلَةُ"([5]).
فكما يرى النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلم كله منافع، كذا يُلّمح إلى نوع عجيب من الشجر وهو النخلة التي كلها منافع، قال النووي: "شبه النخلة بالمسلم في كثرة خيرها, ودوام ظلها, وطيب ثمرها, ووجوده على الدوام, فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس, وبعد أن ييبس يتخذ منه منافع كثيرة, ومن خشبها وورقها وأغصانها, فيستعمل جذوعًا وحطبًا وعصيًا ومخاصر وحصرًا وحبالاً وأواني وغير ذلك, ثم آخر شيء منها نواها, وينتفع به علفًا للإبل, ثم جمال نباتها, وحسن هيئة ثمرها, فهي منافع كلها, وخير وجمال, كما أن المؤمن خير كله"([6]) ألا يدل هذا على نظر النبي صلى الله عليه وسلم الثاقب إلى ما حوله من الطبيعة ومحاولة جذب انتباه المسلمين إلى المنافع المتعددة للشيء الواحد!
فالتطور الطبيعى لحياة المسلمين في ظل التطور الصناعي الذي يعيشونه أو يتعايشونه يحتم عليهم أن يبتدعوا طرائق شتى للمحافظة على موارد البيئة بل وتدوير المخلفات والاستفادة منها كما أمرهم بذلك دينهم والتي تتسبب في أغلب الأحيان إلى عجز الأفراد والهيئات والحكومات عن التخلص منها.
ففي موسم حصاد الأرز ببلاد الإسلام الزراعية يقوم الفلاحون بحرق (قش) الأرز بكميات كبيرة جدًا، وتقف الحكومات مكتوفة الأيدي عن الاستفادة من هذه الكميات، بل إنها تغض الطرف عما يفعله الفلاحون بهذه المخلفات التى تعتبر ثروة لو أحسنَّا استغلالها، والتي تسببت -بسوء التصرف- في السحب السوداء وضيق التنفس وتلوث البيئة وإهدار ما من شأنه أن يرفع المستوى الاقتصادي بالبلاد!.
وفي كثير من أصقاع العالم الإسلامي يقوم الناس بإلقاء كميات كبيرة من الورق في الزبالة، ويعد الورق من الثروات القيمة لما له من أهمية كبيرة في الحياة.
فلو أن بلادنا العربية قامت بإنشاء مصانع متخصصة في إعادة تصنيع الورق بعد فصل الكتابة والأحبار عنه وقامت بشراء الأوراق التالفة لشجع ذلك الناس على حفظ الأوراق التالفة وتجميعها لبيعها للمصانع، ويقلل بالتالي من إلقاء الناس لها في القمامة، كما يحافظ على بعض المطبوعات ذات القدسية لدى المسلمين كالمصاحف مثلاً.
وهذا –أي إعادة تدوير الورق- يقلل من الطاقة اللازمة لإنتاجه بمقدار من 25: 60% من الطاقة اللازمة لصنعه من لب الخشب، كما أنه يقلل من الملوثات المنبعثة في الهواء بمقدار 74%، والملوثات التي تتسرب إلى الماء بمقدار 35%.
ويمكن على هذا المنوال أن ننظر إلى الحديد (الخردة) والألومنيوم والزجاج وكثير من المخلفات الصناعية، فقد تبين أن الطاقة اللازمة لإعادة دورة تصنيع الألومنيوم تعادل 5% فقط من الطاقة اللازمة لإنتاجه من البوكسيت مادته الخام الأصلية، ويصل ما يمكن توفيره بإنتاج الصلب من الخردة كلية إلى ما يقرب من الثلثين، وإعادة تصنيع الزجاج توفر ما يصل إلى ثلث الطاقة التي يتضمنها المنتج الأصلى.
وإعادة الاستخدام أو التصنيع تعد أيضًا إحدى وسائل خفض مستويات تلوث الهواء والماء والتربة.
هذا من ناحية المخلفات الصناعية، ومن ناحية المخلفات الطبيعية فإن روث الإنسان الذي يتم صرفه في المجاري، ومخلفات الحيوانات والطيور يحتوي على نسبة كبيرة من المواد العضوية التي يمكن الاستفادة منها بإنتاج غاز الميثان، والنواتج يمكن استخدامها كسماد عضوي مفيد للأراضي الزراعية.
وأخيرًا فقد عظمت الشريعة الإسلامية دور المال في المجتمع وجعلته من مقاصدها الأساسية الخمس؛ لأنه الثروة التي من خلالها يستطيع الإنسان أن يحقق الكثير من الخير لنفسه ولمجتمعه، فالمال -بأي شكل من أشكاله أو صورة من صوره- إذا تم التصرف فيه على نحو سليم يحقق للإنسان مصلحة حقيقية، وعلى هذا المبدأ الإسلامي العظيم لو أحسن المسلمون استخدام مواردهم طبيعة والمخلفات الطبيعية والصناعية فإنهم يحققون مصالحهم، ويغنمون غنيمة باردة، ويسيرون في ظل شريعتهم ودينهم.
فأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يأخذ بأيدينا إلى ما فيه خير البلاد والعباد، إنه على كل شيء قدير وهو نعم المولى ونعم النصير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
----------------------------------------------
([1])للتواصل والتعليقات. adrrem@yahoo.com
([2]) ضعيف: ابن ماجة 425، إرواء الغليل 140.
([3]) صحيح: مسلم 2034، أبو داود 3845، الترمذي 1803.
([4]) صحيح: مسلم 363، أبو داود 4120، النسائي 4234، ابن ماجة 3610.
([5]) صحيح: البخاري 61، مسلم 2811، الترمذي 2867.
([6]) في شرحه صحيح مسلم على الحديث. | المُخَلَّفَاتُ وتَدْوِيرُهَا فِي ظِلِّ الشَّرِيِعَةِ وأحْكَامِهَا | |
بِقَلَمِ/ عِمَاد حَسَن أَبُو العَيْنَيْنِ([1]) | | |
|